Skip to main content

كيف تقصف إسرائيل غزة دون عقاب

A young man sleeps in a house that was shelled by Israel during Operation Protective Edge, east of Gaza City, on September 1, 2014. © Ahmed Hjazy/Sipa/Newscom

في صيف عام 2014 وخلال العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة المعروفة باسم عملية الجرف الصامد، حاولت عائلة أبو نجم إبقاء الأمور طبيعية. كانوا ذات ليلة يتناولون العشاء في منزلهم الواقع في مخيم جباليا للاجئين، وبعدها قاموا بتنظيف الطاولة، وتأدية الصلاة، ثم جلسوا يتبادلون أطراف الحديث لفترة من الزمن. قامت مريم (23 عاماً) بأخذ طفليها إلى غرفة النوم، في حين أخذ والد زوجها كوباً من الشاي لأبيه الذي كان يعيش في الطابق الثاني.

تقول مريم لمنظمة بتسيلم: ”بعد ذلك، أصيب المنزل بصاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية. صرخت لزوجي، وقمت بتشغيل مصباح يدوي حيث سمعت ابنتي رؤى تصرخ، فهي تبلغ من العمر عاماً واحداً. بحثت عنها، فوجدتها تحت البطانيات، أمسكتها وأمسكت ابني محمد البالغ من العمر ثلاث سنوات وخرجنا من الغرفة. رأيت أحمد، شقيق زوجي، مقتولاً بجانب باب غرفة النوم. شاهدت الحطام حيث كان كل شيء في حالة عارمة من الفوضى.“

دمر الصاروخ منزلهم ومنزل جيرانهم مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص، امرأة وفتاتين من البيت المجاور وسبعة أشخاص من عائلة أبو نجم من بينهم اثنان من عناصر الجهاد الإسلامي كانوا يتواجدون في المنزل.

للوهلة الأولى، ينظر المرء إلى هذا الدمار وكأنه مشهد مأساوي، نتيجة استثنائية تماماً ومؤسفة، لكنها تحدث في زمن الحرب. في واقع الأمر، ليس من المتوقع أن تقوم الجيوش بتجنب كل هذه الخسائر في صفوف المدنيين أو ارتكاب هذه الأخطاء، فحتى الأخطاء الرهيبة يمكن أن تحدث، فالجيوش غير ملزمة بتجنب ذلك.

وللنظر فيما حدث، يعتبر السياق عنصراً هاماً. لقد استمرت عملية الجرف الصامد (50) يوماً، قامت خلالها القوات الإسرائيلية بقتل (2202) فلسطينياً، (63%) منهم أي (1391) شخصاً من بينهم (180) طفلاً تحت سن الخامسة و(346) شخصاً تتراوح أعمارهم بين 6-17 عاماً، لم يشاركوا بأي من الاعتداءات، بالإضافة إلى تدمير نحو (18.000) منزلاً بشكل كامل أو إصابته بأضرار جسيمة، وعليه فقد غدا أكثر من (100.000) فلسطيني بلا مأوى.

حتى اليوم وبعد أكثر من عامين من انتهاء العملية، لم يتأت عن التحقيقات سوى إدانة واحدة، حيث تم توجيه لائحة اتهام بالنهب إلى جندين وبالمساعدة والتحريض إلى ثالث.

كيف حصل هذا؟

أولاً، لم تطال التحقيقات الإسرائيلية المسؤولين الحكوميين أو كبار القادة العسكريين أبداً، حتى قبل انتهاء القتال، ادعى المسؤولون أن الجيش يحترم القانون الإنساني الدولي، ويفعل ما بوسعه لتجنيب المدنيين أي خسائر، مشدداً على إجراء تحقيقات ”في الحالات الاستثنائية“. إذاً من البداية لم تكن مسألة التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن رسم السياسات وإقرار تعليمات إطلاق النار على جدول الأعمال البتة.

ثانياً، الجهة الوحيدة في إسرائيل التي تحقق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي هي النيابة العامة العسكرية التي تواجه داخلياً تضارباً في المصالح. فقد قامت قبل العملية بتزويد الجيش بمستشار قانوني، وعملت عن قرب مع العسكريين على الأرض طوال فترة العملية. ومع ذلك، يُتوقع الآن البت في الحالات التي تستدعي إجراء تحقيقات والتدابير التي ينبغي اتخاذها كرد على ذلك. بعبارة أخرى، هذه الهيئة مكلفة في المقام الأول بإصدار أمر بالتحقيق مع ذاتها ومع مرؤوسيها المباشرين.

ثالثاً، نادراً ما تؤدي الطريقة التي تفسر بها النيابة العامة العسكرية القانون الإنساني الدولي إلى أي نتيجة مفادها ارتكاب أي جندي إسرائيلي للقانون، فحسب رأيها، ليس لزاماً على الجنود والضباط الأخذ في الحسبان عند اتخاذ القرار النتائج المروعة التي تأتت عن عشرات الهجمات المماثلة التي تم تنفيذها في الأيام السابقة، وبمنحهم هذه الصلاحية، تكون النيابة العامة العسكرية قد أخلت طرف كل من يشارك في الهجمات، بدءاً برئيس الوزراء، مروراً بالنيابة العامة العسكرية نفسها، وصولاً إلى أولئك الذين يرمون القنابل، وذلك اتجاه واجبهم في القيام بكل ما بوسعهم لتقليل الإصابات بين صفوف المدنيين. وبالنظر فقط في المعلومات التي يمتلكها المسؤولون عن الهجمات قبل تنفيذها، حسب زعمهم، وتجاهلهم التام لما يجب عليهم الإلمام به بما في ذلك التعهد باستقاء الدروس من تجاربهم الخاصة، تكون النيابة العامة العسكرية قد بالغت في تخفيض السقف القانوني إزاء ذلك.

قررت النيابة العامة العسكرية عدم محاسبة أي شخص عن الأعمال التي أدت إلى قصف منزل عائلة أبو نجم وغيره الكثير حيث سقط مئات القتلى، كما قررت أيضاً إغلاق هذه الملفات مشيرةً إلى أن كل تلك الهجمات كانت قانونية ومنسجمة مع معايير القانون الإنساني الدولي. إلا أن عشرات من ”المآسي المعزولة“ ليست بالمعزولة وليست مجرد مآسي، بل تعكس سياسةً غير قانونية يتأتى عنها عواقب وخيمة متوقعة حيث لا يخضع أحدٌ للمساءلة، وكما تبدو الأمور الآن، لن يخضع أحد للمساءلة يوماً.

آلية التبرئة ذاتها التي ناقشتها منظمة بتسيلم في تقريرها الأخير ورقة التوت التي تغطي عورة الاحتلال الذي أصدرته حول غياب المساءلة في الضفة الغربية، يتم توظيفها الآن في التحقيقات الجارية بشأن العملية التي تم تنفيذها في قطاع غزة. هنا أيضاً، يتمثل مصدر القلق الرئيسي للسلطات الإسرائيلية في رسم صورة مزيفة تظهر الجهاز القضائي بالجهاز الفاعل الذي يسعى للوصول إلى الحقيقة تكون التحقيقات فيها مجرد واجهة.

المساءلة ضرورية ليس فقط لتحقيق العدالة للضحايا وأسرهم، بل أيضاً لمنع القيام بأعمال مماثلة في المستقبل، فعندما لا يتم التحقيق في أي أمر، وعندما يُصر المسؤولون على مزاعمهم بأن كل شيء كان قانونياً، وعندما يتم تجاهل نتائج أفعالهم، يُفتح الباب أمام مستقبل أكثر ظلمة.

منظمة بتسيلم، إحدى الجهات المستفيدة من منح مؤسسة المجتمع المنفتح.

Read more

Subscribe to updates about Open Society’s work around the world

By entering your email address and clicking “Submit,” you agree to receive updates from the Open Society Foundations about our work. To learn more about how we use and protect your personal data, please view our privacy policy.