Skip to main content

إهمال صغار المزارعين في تونس يخلق أزمة غذائية

A date farmer tends to his crop at the ancient date oasis in Nefata, Tunisia. © Chrstine Osbourne/Redux

بعد تحقيق قفزات نوعية على طريق الديمقراطية، كثيراً ما تتم الإشادة بتونس على أنها قصة نجاح الانتفاضات العربية، إلا أنه لم يتم حتى الآن معالجة المشاكل الاقتصادية التي أدت إلى اندلاع الثورة. لقد انطلقت الاحتجاجات أساساً من المناطق الريفية حيث تعتبر الزراعة شريان الحياة للاقتصاد، كما أظهرت هذه الاحتجاجات، التي أدت إلى الثورة التونسية، الفوارق الإقليمية المتنامية التي لطالما ميزت تونس عن غيرها.

في حين لم يكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية السبب الوحيد الذي أدى إلى اندلاع الثورة، إلا أن السياسات الزراعية ساهمت إلى حد كبير في ديناميتها. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات، ما تزال مسألة توفير المواد الغذائية والقدرة على تحمل تكاليفها بالإضافة إلى اعتماد تونس على استيراد تلك المواد، السمة التي تميز المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد.

يسير الاقتصاد التونسي في طور التعافي البطيء من الضربة الاقتصادية التي تأتت عن الثورة، ووفقاً للمرصد الاقتصادي التابع للبنك الدولي، فقد ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى 1.8 بالمئة في عام 2016، وهي زيادة متواضعة تحققت بفضل قطاع زراعي قوي نما بنسبة 9.2 بالمئة، في حين عانت معظم القطاعات الاقتصادية الأخرى من الانكماش أو الركود. وتمثل الزراعة خُمس العمالة الوطنية وتسهم بواحد بالعشرة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يوفر المجال الزراعي نصف فرص العمل المتوفرة في المناطق الريفية حيث اندلعت الثورة بعد سنوات من الإهمال والتهميش. ومع ذلك، لطالما غابت التنمية الزراعية وإلى حد كبير عن جهود الحكومة في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وبهذا تتسع الفجوة بين الطلب على الغذاء وتوافر مصادر الغذاء المحلية.

لا تقدم السياسات الزراعية في تونس منذ إدخال برنامج التكيف الهيكلي في ثمانينيات القرن العشرين للمنتجين ما يكفي من الدعم، لا سيما المزارعين صغيري ومتوسطي الحجم الذين يشكلون غالبية المزارعين في البلاد، وتعتبر هذه النتيجة جزءاً من سياسات المؤسسات المالية الدولية التي تشترط لتقديم الدعم قيام الحكومة بزيادة توافر منتج معين لا يتوفر بكثرة في السوق الدولية، وتكمن الإشكالية في الافتراض القائل بأن البلدان التي تمتاز نسبياً بزراعة محاصيل معينة يمكنها تحقيق الأمن الغذائي من خلال التجارة الحرة في الأسواق الدولية، إلا أن هذا الافتراض يؤدي إلى الاعتماد على السوق الدولية المتقلبة أصلاً. فبعد الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، تدهور الأمن الغذائي في معظم بلدان المنطقة نتيجة لأزمة أسعار الغذاء العالمية.

على الرغم من غياب الدعم الحكومي، تمكن صغار المزارعين من كسب لقمة عيشهم في المنطقة القاحلة التي تقع جنوب شرق البلاد وذلك حتى أوائل تسعينيات القرن العشرين، حيث كانوا يعتمدون في المقام الأول على الينابيع والآبار، إلا أنه ومنذ ذلك الحين، بدأ تقويض أعمالهم من خلال قيام المستثمرين بحفر المزيد من الآبار لمخططات الري واسعة النطاق الخاصة بهم، مما أدى هذا الاستخدام غير المستدام لموارد التربة والمياه إلى زيادة تآكل الإمكانات الاقتصادية والبيئية للقطاع الزراعي.

وعلاوةً على ذلك، تقوم الحكومة بإعفاء كبار المزارعين من ضرائب المياه والري، في حين لا يتم إجبار صغار المزارعين على دفع هذه الضرائب فقط، بل أيضاً على تخفيض أسعار منتجاتهم دون تلقي أي شكل من أشكال الدعم الحكومي في المقابل.

ويتمثل العامل الثاني لتدهور الاقتصاد في تشجيع الحكومة للاقتصاد غير الرسمي على الرغم من تأثيره السلبي على صغار المزارعين، إذ أن الاقتصاد غير الرسمي يزيد من عدد الوسطاء مما يسهم في ارتفاع الأسعار. على سبيل المثال، عندما يقوم أحد صغار المزارعين ببيع الوسيط كيلو التمر بـ (2) دينار تونسي (نحو 90 سنتاً)، يقوم ذلك الوسيط ببيع التمر ذاته في السوق بـ (7) دنانير (3 دولار أمريكي).

كما تتسبب هشاشة شروط التبادل التجاري وتحرير التجارة بما في ذلك الافتتاح المقرر للحدود أمام المنتجات الزراعية المستوردة في عدم ربحية المجال الزراعي، حيث تتراجع مع مرور الوقت القدرة المالية والمكانة الاجتماعية للمهن الزراعية، وعليه لا يتوفر أمام العديد من المزارعين أي خيار سوى البحث عن عمل في المدن الكبيرة، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأمن الغذائي التونسي والاعتماد على الواردات.

إدراكاً منا لأهمية الزراعة والتنمية الريفية لإحياء الاقتصاد التونسي، ورفع مستويات المعيشة، ومكافحة البطالة والتهميش، نعمل في مؤسسة المجتمع المنفتح على دعم وتشجيع الحكومة التونسية والمجتمع المدني للمساهمة والعمل سويةً مع صغار المزارعين لدعم النمو المستدام للإنتاجية، والممارسات الزراعية الصديقة للمناخ، والبحوث والحلول المثبتة بالبراهين.

كما نعمل مع جميع الأطراف المعنية لبدء نقاش حول هذا النوع من السياسة الزراعية التي من شأنها تأمين الحق في الحصول على الغذاء، مع الاعتراف بالأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على أنهم أصحاب الشأن المعنيون، بالإضافة إلى توفير بيئة تفضي إلى تنشيط الاقتصاد. ويمكن لصغار المزارعين المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي في تونس وذلك في حال قامت الحكومة بوضع شروط مواتية لهم لتحسين معيشتهم وزيادة إنتاجيتهم.

وبدون مساهمات صغار المزارعين، قد تجد تونس نفسها تعتمد بصورة خطيرة على الدول الأخرى وذلك فقط بهدف توفير الغذاء لشعبها، السيناريو الذي يمكن تجنبه تماماً.

Read more

Subscribe to updates about Open Society’s work around the world

By entering your email address and clicking “Submit,” you agree to receive updates from the Open Society Foundations about our work. To learn more about how we use and protect your personal data, please view our privacy policy.